الخميس، 1 يناير 2009

نشأة الفن الحديث
إن مفهوم الفن في العصر الحديث لا يرتبط كثيراً بعلاقة " الفن والجمال" كما كان سابقاً وإنما بعلاقة " الفن والتعبير" . صحيح أن مفهوم الفن والجمال ارتبط دائماً في تاريخ الفن وتاريخ الفلسفة . إن مفهوم الفن لم يكن واضحاً في السابق وكذلك مفهوم الجمال. وكلنا يعلم أن علم الجمال هو علم حديث ظهر سنة 1750 على يد برمجارتن حيث بدأ هذا العلم بدراسة التذوق والمسائل المرتبطة به ثم أضيف اليه مباحث تتعلق بالإبداع الفني.‏
إن أكثر علماء الجمال والفلاسفة, الذين لم يمارسوا فناً بصورة بارزة, هم الذين تصدوا للفن وأهله, ولعل أفلاطون, أول باحث في الجمال, قديماً وبصورة دقيقة, لم يحاول ان يغمس ريشته بالزيت, فيخرج ألواناً وظلالاً, أو يحمل قيثارة فيرجعها أنغاماً, أو إزميلاً يصنع من الحجر تمثالاً, وإنما كان عمله, كما عرف عنه, غير ذلك, تناول الفنون, فلسفة ونظريات".‏
ولكن قبل الخوض في آراء أفلاطون علينا أن نلقي نظرة على آراء أستاذه سقراط ( 470 - 399 ق.م) حيث كان يرى أن كل شيء ذو فائدة هو رائع جميل فالأشياء التي تسبب ضرراً للإنسان هي قبيحة رغم تناسب أجزائها في جمال الصنع.‏
إن الجمال كان قبل أرسطو ذا مفهوم رياضي شكلي يقع في إطار الأرقام والنسب كما عند فيثاغورس( القرن 6 ق.م) وفي النسبية كما عند هيراقليط ( 576 - 480 ق.م) وفي النظام الصارم والتناسق كما هو عند ديمقراط ( 460 - 370 ق.م) . فكان سقراط أول من وضع مبدأ الأخلاق في الفن ثم تبعه تلميذه أفلاطون ( 427 - 347 ق.م) حيث وضع رأيه في الفن في مبدأ عدم محاكاة للطبيعة ووضع درجات الجمال: الجمال المطلق ثم العقل - فالنفس (وتمثل الأخلاق) - ثم الجسم.‏
ولا بد هنا من ذكر أن الإغريق كانوا يقدسون الجمال وحرصوا على تمجيد ربات الفنون وعبادتها وتقديم القرابين إليها ورعايتها إيماناً منهم بتقديس مظاهر الجمال الخالدة في الفن والطبيعة.‏
إن نظام الكون شغل بال الفلاسفة اليونانيين فذهبوا يتمثلون نظاماً من الجمال في فنونهم سعوا فيه إلى تحقيق صفات التماثل والائتلاف, فحدث لقاء بين تصوراتهم الميتافيزيقية وتخيلاتهم الأستطيقية فأصبحت تطبيقاتهم في مجالي " الجمال" و " الفن" هي الجانب الأستطيقي لمشكلة البحث عن " الوحدة في الميتافيزيقا" التي سعى إليها الفلاسفة عندما فسروا مسألة الكثرة والتعدد.‏
ثم يأتي أفلوطين ( 204 - 270 م) وهو فيلسوف زاهد وصوفي ولد في مصر وتأثر بأفلاطون ويعد مؤسس الأفلاطونية الحديثة. حاول فيها التوفيق بين الفلسفة اليونانية والمعتقدات الدينية الشرقية. فكان لانتشار أفكاره الوقع الخطير على الفلسفة والتصوف من بعده.‏
إن أهم ما يؤثر به هذا الرجل كان إيمانه بوجود عالمين في آن واحد وهما العالم الحقيقي (ويدرك بالعقل) والعالم الحسي لذلك فللجمال ثلاث صور: العقلية, الطبيعية, الفنية (الصناعية).‏
ولا ننسى أن ديكارت واضع مبدأ الثنائية : في الربط بين طرفي الحس والعقل لأهميتهما معاً في إحداث اللّذة الحقيقية بالجمال. ويتفق موضوع مشاركة العقل مع الحواس في إحداث الشعور باللذة الجمالية مع موقف ديكارت من مسألة الاتحاد بين النفس والجسد والمعرفة بالثنائية التي يرى فيها أن الانفعالات هي حالة ناتجة عن الاتحاد بين جوهري النفس والجسد, ولما كان الانفعال والعاطفة يمثلان الجانب الشعوري من جوانب اللذة عند "ديكارت" , وكانت الحواس من جهة أخرى هي جزء لا يتجزأ من البدن الذي يتأثر بالانفعالات والعواطف, فان الاتحاد بينهما يكون وثيقاً والتأثير متبادلاً.‏
إن القرن الثامن عشر هو قرن الفلاسفة فقد ظهر منهم - بدمارجن (واضع علم الجمال) وهوجارت وهيوم وكانت وبيرك وشيلر وهيغل وشيلنج. كما ظهر في هذا العصر كل من باخ وموزارت وبيتهوفن. وفي هذا القرن حدثت الثورة الأمريكية 1750 والثورة الفرنسية 1789 .‏ أهم المبادئ التي ظهرت في الفترة ( 1724 - 1804م) " أن الجمال هو ذلك الذي يكون ممتعاً بالضرورة, وهذه تنبعث من نفوسنا, ونحن ندرك هذا الجمال. وينبغي أن تكون الصلة المقطوعة تماماً بأية فائدة مهما كانت".‏
ولا ننسى أن الفيلسوف "كانت" هو الذي وضع الأساس لمذهبين أو مدرستين هما : (1) الفن للفن و(2) الفن لهو (متعة) . كما لا ننسى أن عصره هو عصر الركود وهو عصر الانحطاط الخلقي والسياسي والاجتماعي وحيث كان الفن في خدمة الخدور النسائية وبناء عليه قامت الثورة الفرنسية وظهرت المدارس الكلاسيكية المحدثة, والرومانسية, والواقعية, وأخيراً التأثيرية التي ثارت على المنظور وفلسفته وبذلك مهدت الطريق للفن الحديث.‏
وقد لقيّ مفهوم التناسق الكوني الذي ظهر عند الفيثاغوريين تأثيراً لدى الفلاسفة .إذ طوروا مفهوم التناسق بشكل يتفق مع بحثهم حول نظريات الموسيقا. كما استفادوا من أراء أفلاطون المثالية, الذي يرى أن الجمال من مكونات الشيء الجميل, أي أن له في نفسه قيمة ذاتية, وأرسطو الذي يعتقد ان الجمال هو الانسجام الحاصل من خلال وحدة تجمع في داخلها التنوع والاختلاف في كل منسجم. وأفلوطين يعتقد أن الجمال هو تلك الحياة التي وهبها الله مخلوقاته , ومن ثم فالشيء الجميل هو الذي يشع بالحياة.‏
والخلاصة فإذا كانت الفنون متعددة بتعدد الوسائط الجمالية التي يستخدمها الفنان لتوصيل رسالة للمتلقي. فالعملية الإبداعية تتكون من ثلاثة أطراف, هي الفنان والعمل الفني والمتلقي. والخبرة الجميلة مشتركة في العناصر الثلاثة, وعلم الجمال هو العلم الذي يقوم بتحليل الخبرة الجمالية لدى الأطراف الثلاثة. فهو لا يفرض قيما جمالية بل يستنبطها بعد التحليل..لأن لكل عصر قيمه ومعاييره.‏
كما يمكن إدراك الجمال في التجربة الأدبية بوصفه معايشة واكتشاف, لأن القارئ حين يقرأ نصا أدبيا فانه يعيد فهمه من خلال تجربته هو وثقافته. وبذلك يمكن للقارئ اكتشاف رموز الجمال في التجربة الأدبية. وكل ما في العمل الأدبي يبدو ناجحا على قدر الأثر الذي يتركه في نفس القارئ, وهو المقصود بمعنى الجمال في التجربة الأدبية.. ويسمى انفعالا جماليا لأنه من إبداع القارئ.. ويعكس تجربته الخاصة مع النص ولا يلزمه أحد به.‏
قد نخلص الآن الى أن موضوع "الجمال" ليس زائدا عن الحاجة, أو هو طرف ذهني, بل هو من جوهر حياتنا اليومية الحسية الملموسة والمرئية..وحياتنا الوجدانية والشعورية ايضا .‏
ان اهمية الجمال تكمن في التجربة الدينية للمرة الأولى في مباحث الجمال..يمكننا القول بأهمية الجمال في فهم أسرار الحياة الدفينة في طيات الطقوس الدينية, وطيات النفوس البشرية.‏
نشأة المدرسة التعبيرية
رواد المدرسة التعبيرية
إميل نولده: رائد المدرسة التعبيرية والحنين إلى الاسترخاء الروحي

Großansicht des Bildes mit der Bildunterschrift: إميل نولده: حنين إلى واحة الروح وحياة أفضل عبر الفن
يعد إميل نولده من أشهر الرسامين الألمانيين الذين ساهموا في تطوير المدرسية التعبيرية. وبعد وفاته تحول منزله في سيبول القريبة من الحدود الدنماركية إلى متحف يقصده الكثير من السياح من جميع أنحاء العالم.
ولد نولده عام 1867 في مدينة سيبول الواقعة في شمال ألمانيا وبدأ حياته متدرباً على نحت الخشب، فخلال النهار قضى وقته وهو يتعلم فن النحت، وفي الليل يتلقى دروسا في الفن. وكان إميل نولده يتطلع منذ نعومة أظافره إلى ابتكار نوع جديد وفريد من فن الرسم التعبيري يحافظ فيه على الأصالة الألمانية. وهو ما ساهم في إنتاجه الغزير حيث ترك بعد وفاته العديد من اللوحات التي تثير فضول الملايين من عشاق الفن في شتى أنحاء المعمورة. وبالرغم من صعوبة الوصول إلى منزل إميل نولده، إلا أن الكثير من السياح يأتون من جميع أنحاء العالم، ليروا هذا المنزل الذي عاش فيه أهم رسام تعبيري ألماني، والذي تحول فيما بعد إلى متحف يضم أهم أعماله. فبسبب قلة الجسور التي تربط بين الجزيرة واليابسة، هناك ثلاث طرق فقط للوصول إلى جزيرة زولت، أكثر الجزر الألمانية شهرة في بحر الشمال: إما عن طريق الطائرة أو بوساطة قارب دنماركي أو بقطار ينطلق من مدينة نيبول.
حرفي وفنان رائد


Bildunterschrift: Großansicht des Bildes mit der Bildunterschrift: تميزت لوحاته بالألوان الصارخة المجردة من أي شيءرسم لوحاته الأولى عندما كان في الثلاثين من عمره. وكانت عبارة عن مجسمات ساخرة، يظهر فيها تضارب الألوان الصارخة. وعلاوة على ذلك فهو أول من ابتكر هذا الأسلوب الذي ألهم فيما بعد حركة الجسر الفنية ( The Bridge) التي التي سارت فيما بعد على منواله،ثم قامت بدعوته للانضمام إليها عام 1906، لكنه بقي عضوا فيها لمدة عام واحد فقط. ومن المعروف عن نولده تفضيله العزاة والعيش بانفراد في برلين، خاصة في فصل الشتاء وبالاستمتاع بالصيف وبحره.





Bildunterschrift: Großansicht des Bildes mit der Bildunterschrift: إذا كنت من محبي الفن التعبيري فليس أمامك سوى زيارة متحف نولدهتميز نولده بإحساسه الفريد من نوعه عند استخدامه للألوان. فتراه تارة يرسم مناظر مختلفة من المدن ويبرزها باللون الأزرق المشع، وتارة أخرى يرسم الحدائق ويملؤها بالورود بمختلف ألوانها، الأحمر والوردي والأصفر، لذلك تتميز لوحاته بالتجرد من كل شيء. كما أن هاجسه الأكبر لم يكمن في رغبيه في إظهر الحقيقة كما هي، بل بطبيعتها الداخلية والمشاعر التي تثيرها. وازداد استخدامه لهذا الأسلوب بكثرة بعد عودته برفقة زوجته الممثلة الدنماركية آدا فيلسترب من رحلة استكشافية إلى البحيرات الجنوبية عام 1913. وعاد الزوجان الى سيبول عام 1927 الى مزرعتهما الواقعة في ولاية شليسفيش هولشتاين، التي تبعد بضع دقائق عن الحدود الدنماركية.
المتحف استراحة فنية وروحية

Bildunterschrift: Großansicht des Bildes mit der Bildunterschrift: بورتريت ذاتي لفنان التعبير إميل نولده
وبالرغم من صعوبة الوصول إلى منزل نولده، إلا أن أكثر من 78.000 مغامر يقطعون مسافات طويلة ليعثروا على منزله ، الذي تحول الآن إلى متحف يخلد أعمال ذلك الفنان العظيم. وفي عام 1937 كانت العودة إلى سيبول مختلفة نوعا ما، حيث قام النازيون عند وصولهم إلى سدة الحكم في ألمانيا بمصادرة أعماله والاستيلاء عليها، وأطلقوا عليه لقب "الفنان المنحل" كونه لم يناسب أيديولوجيتهم الجرمانية العنصرية. وعلى الرغم من القيود المفروضة عليه إلا أن نولد مارس الرسم مجددا. فقد كان يرسم في غرفة سرية في منزله، ومعظم اللوحات التي رسمها لم يتعدى حجمها راحة اليد. ومع نهاية الحرب العالمية الثانية أكمل نولده رسم أكثر من 1.300 لوحة زيتية كبيرة الأبعاد مستوحاة من الأديان. وهي معروضة حاليا في متحفه. كما ما تمناه إميل نولده يتمثل في أن يكون متحف أعماله بمثابة مكان يلجأ إليه الحجاج ذوي الميول الفنية، ليجدوا فيه السعادة والاسترخاء الفني والروحي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Powered By Blogger