الخميس، 1 يناير 2009

نشأة الأرض وتكوين القشرة الأرضية


يُعد القرن الثامن عشر منعطفاً مهماً في خط سير مجمل العلوم التطبيقية ومنها الجيولوجية والجيوفيزياء[ر] التي تدرس الأرض بصفتها ظاهرة طبيعية وذلك عن طريق إِلقاء الضوء على تاريخها الطبيعي ومراحل تطورها ابتداءً من لحظة تشكلها حتى الوقت الحالي. ففي ذلك القرن بالتحديد بدأت المعتقدات والآراء الدينية حول الأرض والمجموعة الشمسية[ر] وما يكتنفهما من أسرار بالتراجع مفسحة في المجال لظهور الأفكار والآراء والفرضيات التي حاولت تفسير هذه الأمور على أساس مبنيٍ على الحجج والبراهين والحقائق العلمية الثابتة. وفي الحقبة نفسها أيضاً‌، عمل علماء الطبيعة المهتمون بدراسة تاريخ الأرض وأسرارها على محاولة تفسير هذه الأمور وتحليل مختلف ظواهرها والأسرار التي تحيط بها تفسيراً علمياً منطقياً، والابتعاد تدريجياً عن قبول أية فكرة لا تثبتها النظرة العلمية الموضوعية.
والحقيقة أن الأرض لم تكن موجودة منذ الأزل بشكلها الحالي وإِنما هي نتيجة لتطور كبير ومعقد، والصخور التي تتشكل منها خضعت، وما زالت تخضع لتطورات وتبدلات كبيرة الأهمية. وسواء كانت الأرض قد تشكلت نتيجة لتكاثف كتلة غازية سديمية حارة، أم نتيجة لتجاذب مليارات من الجزئيات والذرات المختلفة الأحجام، والمبعثرة أصلاً في الفضاء الخارجي، ففي كلتا الحالتين يُفترض أن تكون الأرض قد مرت بمرحلة تكونت فيها كتلة قريبة من شكل الأرض الحالية، وهذا الظهور لم يكن فجائياً بل إِنه استغرق زمناً طويلاً جداً، لدرجة يمكن معها تقدير مدة تشكل الأرض بنحو مئة مليون سنة كما أن دراسة النظائر المشعة أثبتت أن بداية تشكل الأرض يعود إِلى حقبة تراوح بين 4 مليارات و5 مليارات سنة.
أصل الأرض ونشأتها
لتفسير نشأة المجموعة الشمسية ومنها كوكب الأرض، ظهرت نظريات عدة لا تخلو من الطرافة ومن المفارقات والمتناقضات، وفيمايلي ذكر الأساسي منها. والحقيقة أن الجدال والنقاش في ذلك قد بدأ منذ ما يزيد على القرن حول نشوء المجموعة الشمسية، وقد انتهى ذلك إِلى إِثبات مجموعة من النتائج والحقائق حول هذه المسألة تقرب من اليقين، وأهمها هي حقيقة نشوء الشمس في الوقت نفسه الذي تكونت فيه الأرض. وأهم الفرضيات التي وُضعت بهذا الخصوص هي نظرية لابلاس Laplace ومفادها أن الشمس وكواكب المجموعة الشمسية تكونت في الأصل انطلاقاً من سديم غازي هائل ذي كثافة غير متجانسة في نقاطه وأجزائه كافة، ولقد تبرد هذا السديم تدريجياً في أثناء دورانه حول نفسه، فتقلصت بعض أجزائه وانفصلت عنه تدريجياً انطلاقاً من منطقته الاستوائية.
وبديهي القول إِن هذا التبرد والتقلص رافقهما ازدياد في سرعة الدوران، وبالتالي ازدادت القوة النابذة، ونتيجة حتمية لذلك انفصلت كتل غازية أخرى عن السديم الأصلي وأخذت تدور في اتجاه السديم الرئيس حول الشمس، وهكذا تشكلت كواكب المجموعة الشمسية.
والحقيقة أن نشوء الأرض انطلاقاً من مثل هذه الكتلة الغازية، يستدعي أو يستوجب حدوث تكاثف ضمن هذه الكتلة نتيجة لتفاعل مجموعة من العوامل الآلية والطاقية، كالجاذبية والتفاعلات النووية والقوة النابذة، والقوى المغنطيسية الهيدروديناميكية وغيرها، ولكن السؤال الكبير هو: هل أخذت الأرض شكل سطحها وحجمها الحاليين نتيجة للتقلصات أم نتيجة للتمددات؟
في ردح طويل من الزمن سادت فكرة سيادة عامل التقلص في تفسير نشوء القشرة الأرضية وتضاريسها الرئيسة الناجمة عن الحركات الالتوائية الكبرى أو المولّدة للجبال. أما في الوقت الحالي، فإِن فكرة تكون شكل سطح الأرض وحجمها الحاليين استناداً إِلى عامل التمدد أو بفضله بدأت تسود تدريجياً مع أن ذلك يبدو غريباً للوهلة الأولى. فالحقيقة أنه بموجب التبرد المنطلق من الداخل باتجاه الخارج وما ينجم عنه من تقلصات وتصلب للقشرة الخارجية لا يمكن للأرض بشكلها وسطحها الحاليين أن تكون قد تطلّبت أكثر من 40 مليون سنة وهذا مالا ينطبق على الواقع إِطلاقاً، إِذ إِن ذلك يتناقض مع جملة من الحقائق والمسلمات الجيولوجية (وجود المستحاثات التي يمكن تأريخها بمساعدة النظائر المشعة ومراحل التحولات الجيولوجية). وعلى العكس فإِن عمر الأرض يراوح وفقاً للحقائق العلمية الثابتة بين 4 و5 مليارات سنة واستغرقت في تشكلها مئة مليون سنة. إِضافة إِلى ما تقدم فقد ظهرت نظرية حديثة تتفق مع هذه المعطيات، وملخصها (وهي تطوير لآراء ألفرد فيغنر A.Wegener وأفكاره) هو أن القشرة الممتدة تحت المحيطات أسفل غطاء رسوبي متباين السماكة، نشأت نتيجة لتصاعد المهل (الماغما) ذي الخصائص البازلتية، ممتدة على السطح ابتداء أو انطلاقاً من السلاسل المتراصفة تحت المحيطية أو المتشعبة في أواسط المحيطات. إِِن قوة الدفع التي يسببها تصاعد المهل هي التي تؤدي إِلى تباعد القارات بعضها عن بعض بمعدل بضعة سنتيمترات كل عام، وهذا يسهم طبعاً في اتساع سطح الكرة الأرضية. وقد أمكن التحقق من كل ذلك تجريبياً وبطريقة غير مباشرة. وذلك عن طريق دراسة الشذوذات المغنطيسية. وبوجه عام فإِن قعور المحيطات موزعة بشكل متناسق ومتطابق لدرجة لا يمكن معها عزو ذلك لمجرد المصادفة المحضة بالمقارنة مع السلاسل المقابلة والمتفقة معها.
إِن تأريخ هذه القعور سمح بتحديد مراحل تشكلها، كما سمح بتحديد العلاقة والتطابق بين مراحل تشكلها والتباينات المغنطيسية القديمة (مجال الجاذبية القديمة Paléomagnétique) للأرض، وهذه الظواهر كلها مرتبطة بالعوامل الحركية (الديناميكية) المسؤولة عن هندسة وتحديد هوية العلاقة بين القشرة والطبقات الباطنة للأرض من جهة، وتقسيم سطح الأرض إِلى محيطات وقارات من جهة ثانية.
بنية الأرض وتركيبها
إِن التباين الشديد في كثافة القطاعات المختلفة للكرة الأرضية يعكس حقيقة كون هذه الكرة مكوّنة من عدة أغلفة أساسية متباينة الطبيعة والثخانة، متحلقة حول نواة مركزية. وفي الواقع فإِن دراسة الاهتزازات الناجمة عن الهزات الأرضية هي التي تعطي فكرة واضحة عن تباينات التركيب والاختلاف في الطبيعتين الفيزيائية والكيمياوية لهذه النطاقات، لأن هذه الاختلافات تنعكس تباينات شديدةً في خط سير الموجات الاهتزازية وطبيعتها التي لا تنتشر بالطريقة نفسها ولا بالسرعة ذاتها في أثناء مرورها في أوساط متباينة الطبيعة. أما من ناحية التركيب والطبيعة والبنية فإِن المعلومات المعتمدة على الملاحظات العملية العلمية المباشرة تقتصر على ثخانة 8000م (علماً بأن الإِنسان تمكن من النزول إِلى عمق 3500م) من القشرة الأرضية، وهذا ما يتفق مع أعمق الآبار التي حفرت لغرض البحث العلمي ولتعرف طبيعة الأرض. أما فيما عدا ذلك فإِن المعارف عن الطبيعة والتركيب تستند إِلى وسائل غير مباشرة، بمساعدة المعطيات الجيوفيزيائية، وعلى نحو رئيس المعطيات الكهرمغنطيسية والكهربائية والحرارية التي يمكن أن تزود المعرفة بمعلومات محددة عن الخصائص الفيزيائية على أعماق معينة للأرض. ولكن يجب الاعتراف بأن المعرفة الدقيقة المحددة لطبيعة المواد المكونة للأرض في الأعماق المختلفة ولتركيبها ما زال يكتنفها بعض الغموض. إِن تسجيل الاهتزازات الناتجة عن الهزات الأرضية ودراستها يسمحان بتحديد إِحداثيات مكان نشوئها من حيث خطوط الطول والعرض والعمق أيضاً، وذلك بتسجيل هذه الموجات الناجمة عن الهزة الواحدة في مراصد خاصة منتشرة في أماكن متفرقة على سطح الكرة الأرضية، وتُحدَّد الإحداثيات المذكورة استناداً إِلى اختلاف المدد التي تصل فيها هذه الموجات إِلى المراصد المختلفة بحسب بعدها عن المراكز أو مكان نشوء الهزة. وبتعبير آخر يسهل تعرف مركز الهزة وعمقها وسرعة انتشار أمواجها بمساعدة المحطات الجيوفيزيائية الخاصة، وهذا ما يساعد في معرفة طبيعة المواد التي اخترقتها الموجات المذكورة وكثافتها، وهذا مالا يمكن التوصل إِليه بالملاحظات المباشرة. وعلى هذا الأساس، تبقى معطيات هذه المحطات أو المراصد هي الوحيدة التي يمكن أن تساعد في تعيين حدود الطبقات المختلفة المتحلقة حول مركز الأرض. أما فيما يتعلق بالأعماق السحيقة، فإِن الأمور تصبح أكثر تعقيداً إِذ إِن خصائص المادة في ظل درجات الحرارة الشديدة الارتفاع وتحت ضغط عالٍ جداً مازالت مجهولة.
إِن مجموع المعطيات المتوافرة أظهرت أن متوسط كثافة الأرض يصل إلى 5.52 في حين أن كثافة القسم السطحي للأرض والخاضع للملاحظات المباشرة يراوح بين 2.5 للصخور الرسوبية و3.5 للبازلت. وهذا معناه أن المناطق الداخلية للكرة الأرضية ذات كثافات أكثر ارتفاعاً وواقعة تحت ضغوط عالية جداً لا يمكن تحقيقها مخبرياً. وقد دلّت الدراسات والأبحاث الحديثة على أن الكثافة المذكورة تتزايد تدريجياً باتجاه المركز إِلى أن تصل نحو 12-17 في مركز الأرض.
إِن هذه الكثافة في الواقع هي التي تحدد معامل تسارع الجاذبية، إِذ إِنه بحسب قانون نيوتن، فإِن أي جسم على سطح الأرض خاضع لجاذبيتها بحسب قوة ك ج (mg) الناتجة عن كتلة الجسم ذاته ك (m) مضروباً في شدة الجاذبية ج (g) وهي متحول قيمته في حدود9.8م/ثا2، وقيمة ج (g) هذه ليست ثابتة في كل نقاط الأرض، وتبدلاتها هذه تخضع أو تتبع تباينات توزع المواد المختلفة المكونة للأرض، إِذ إِن هذه القيمة تتزايد في الأقسام أو المواقع ذات الكثافة العالية. وتنخفض في المواقع ذات الكثافة القليلة. وهذه الأخيرة تتصف عادة بأنها ذات ثخانة أكبر. وبتعبير آخر،هي طبقات سطحية ثخينة ولكنها منخفضة الكثافة نسبياً. وهكذا يكون من الطبيعي القول إِن قيمة ج على سطح البحار، يجب أن تكون منخفضة، لأن كثافة الماء أقل من كثافة صخور القشرة الأرضية. ولكن ذلك لا ينطبق على الواقع لأن قيمة ج هنا ليست منخفضة، ولا يمكن تفسير ذلك إِلا بكون المواد التي تشكل القشرة تحت مياه البحار والمحيطات من طبيعة ذات كثافة أكثر ارتفاعاً من المواد التي تكوّن القشرة في القارات. وعلى هذا يمكن استنتاج أن كثافة المواد التي تشكل الكتل الجبلية أقل من كثافة المواد الواقعة تحت المناطق السهلية، وكثافة المواد الواقعة تحت السهول هذه أقل من كثافة مواد القشرة الواقعة تحت مياه البحار والمحيطات. أي إِن كل شيء يتم كما لو كانت الكتل القارية ترتفع بصورة أكبر مع تناقص كثافتها تماماً كحالة قطع الخشب المتباينة الطبيعة التي تطفو عموماً فوق الماء، ولكن الأقسام الغاطسة في هذه الأخشاب تحت الماء تختلف حتماً باختلاف طبيعة الخشب وكثافته. ومن هنا تولدت فكرة التوازن الهيدروستاتي equilibre hydrostatique. ولكن الأمر المهم الواجب معرفته هنا هو أن القاعدة التي تتوضع عليها الكتل القارية هي من طبيعة لزجة، ولكنها ليست بلزوجة الماء، وبالتالي فإِن التوازن السابق ليس توازناً مثالياً، أي إِنه ليس هيدروستاتيا، ولكنه توازن إِيزوستاتي (سيالي) isostatique (توازن ناجم عن تباين كثافة المواد المختلفة). ومع ذلك فإِن الضغط الذي تمارسه أوزان الكتل المختلفة يصبح متعادلاً على عمق يقع في حدود 60كم، وهذا المستوى يعرف بسطح التعويض الإِيزوستاتي surface de compensation isostatique، وتحت هذا المستوى هنالك توزع كتلي منسجم ومتجانس.
إِن التوازن السابق يمكن أن يتعرض للتشويش أو للتخريب في الحالات التالية:
ـ تكون السلاسل الجبلية، وذلك نتيجة للعلاقات التي ذكرت بين الكثافة والكتلة.
(الشكل -3) عمليات الحت والتعرية والتراكم الكبرى وما تسببه من حركات تعويض
ـ ازدياد نشاط أعمال الحت والتعرية التي قد تتمكن من إِزالة كتلة جبلية ما مثلاً، ونتاج هذا النشاط من مواد وأنقاض ومجروفات يتوضع في نهاية المطاف في قعر المحيطات، وهذا ما يؤدي إِلى ازدياد الضغط على هذا القاع مسبباً نوعاً من الغور أو الخسف في قاع المحيطات، تقابلها حركة ارتفاع أو نهوض شاقولية للمنطقة التي تعرضت لعملية الحت الشديد (الشكل3).
ـ التبدلات المناخية التي يمكن أن تقوم بدورها أيضاً، ذلك أنه في حالة حدوث سخونة مناخية شديدة تذوب الجليديات التي تغطي المناطق القارية، ومن ثم يتناقص الضغط الموجود فوقها بسبب فقدان وزن الجليد الذي تحول إِلى ماء ودخل بصورة مباشرة أو غير مباشرة إِلى مياه البحار والمحيطات، ومن ثم سوف تحدث حركة نهوض إِيجابية للمناطق التي فقدت جليدها.
(الشكل -4) البنية الداخلية للكرة الأرضية (الأعماق والكثافات)
إِن المعطيات الناجمة عن مثل هذه الدراسات، إِضافة إِلى معطيات الجاذبية وقياساتها المختلفة وتبايناتها، ساعدت على تفسير معطيات الهزات الأرضية، وباجتماع النتائج المذكورة، تكونت فكرة واضحة عن تركيب النطاقات المختلفة التي تشكل الكرة الأرضية وعن تكوينها وطبيعتها وكثافتها. ولقد اتفقت الأبحاث والدراسات على حقيقة أن الأرض مكونة من ثلاثة نطاقات يغلف بعضها بعضاً بصورة كروية نسبياً، وبقطر يصل طوله إِلى 12742كم وهذه الأقسام هي: القشرة الأرضية والوشاح والنواة (الشكل 4).
القشرة الأرضية: وهي طبقة متباينة التركيب والثخانة تحت القارات والبحار والمحيطات، مع ثخانة متوسطة تصل إِلى 40كم وكثافة قريبة من 2.7. إِن تباين هذا يكون واضحاً جداً هنا، ذلك أنه يرتفع تحت السلاسل الجبلية (قد يصل إِلى 80كم) وينخفض تحت السهول والمحيطات، حيث يقع انقطاع موهوروفيتشيش على عمق يراوح بين 10و12كم تحت المحيطات، وهذه القشرة تتألف من طبقة تراوح سماكتها بين 5و8كم، وصخورها مكونة من مواد ذات طبيعة قاعدية تراوح نسبة السيليس فيها بين 45٪ و52٪، تجتازها أمواج الهزات الأرضية بسرعة تصل إِلى 6.7كم/ثا، تعلوها طبقة ذات ثخانة تصل إِلى 3كم مكونة من الصخور البركانية بصورة رئيسة، غنية بالتيوليت والبازلت المشبع بالسيليس، وهي ذات كثافة تصل إِلى 3، تخترقها موجات الهزات الأرضية بسرعة 5كم/ثا، وفوق هاتين الطبقتين تتوضع الصخور الرسوبية بأنواعها المختلفة التي تغلب عليها الطبيعة الكربوناتية ذات الكثافة المنخفضة نسبياً والتي تصل إِلى 2.2 وتخترقها موجات الهزات الأرضية بسرعة لا تتجاوز 2كم/ثا.
وبصورة عامة، تتوضع الصخور الرسوبية هذه في المناطق القارية فوق طبقة غرانيتية تقبع فوق طبقة بازلتية ولكن دراسة موجات الهزات الأرضية بينت أن طبقة البازلت المذكورة ليست موجودة في كل المناطق تحت طبقة الغرانيت، وهذا يعني أن الاتصال بين القشرة والوشاح يتم أحياناً بين طبقة الغرانيت وصخور الوشاح مباشرة، وأحياناً أخرى بين طبقة البازلت وصخور الوشاح.
وتتكون طبقة البازلت بصورة رئيسة من السيليسيوم والمغنزيوم ولهذا تدعى اختصاراً باسم سيما sima وهي التي تعطي، أو هي مصدر، صخور البازلت القادمة من الأعماق ولها تركيبها الكيمياوي نفسه، ولكن بنية البازلت الداخلي تختلف عن بنية البازلت السطحي لأن هذه الأخيرة تتميز بانطلاق سريع للغازات المختلفة بمجرد وصولها إِلى السطح وهذا أمر لا يمكن حدوثه في الأعماق.
أما الطبقة الغرانيتية فمركبة من السيليس والألومين بصورة رئيسة، ولهذا فإنها تدعى اختصاراً باسم سيال sial وهذه الطبقة هي التي تقدم صخور الغرانيت المعروفة، كما أنها في حالة خروجها إِلى السطح عند حدوث البراكين، وبسبب الانطلاق السريع للغازات فإِنها تعطي ذوباً بركانياً lava ذا طبيعة حمضية كما هو الحال في الريوليت، والأقسام العلوية لهذه الطبقة مكونة من الغرانيت الذي تبرّد تدريجياً وببطء شديد وبمعزل عن الهواء مما أتاح الفرصة لحدوث تبلُّر كامل لموادها. إِن النشاط البركاني الذي يدفع بصخور الطبقتين السابقتين إِلى السطح هو المسؤول عن تكوّن الصخور المتحولة ضمن الصخور ذات الأصل الرسوبي، وبهذا تتحول عناصرها وموادها الرسوبية هذه إِلى صخور مشابهة في بعض خصائصها وصفاتها لصخور طبقتي السيما والسيال.
الوشاح: ويقع تحت انقطاع موهوروفيتشيش على عمق محصور بين40كم و2900كم. أما من ناحية التركيب فإِن التجارب التي أجريت على سرعة الصوت ضمن الصخور المختلفة، وفي ظل أعلى درجات الضغط التي أمكن تحقيقها مخبرياً تبيّن أنه لا يمكن أن يوجد في قاعدة القشرة صخور ذات طبيعة حامضية مماثلة للغرانيت وتعطي سرعات ضعيفة جداً.
وفي الوقت نفسه، فإِن السرعة التي وجدت هنا هي أكثر ارتفاعاً من السرعات التي وجدت في صخور البازلت. وعلى هذا يمكن القول إِن تركيب هذه الصخور الواقعة تحت القشرة وطبيعتها هي فوق قاعدية غنية جداً بالحديد وبالبيريدوتيت (تصل نسبة السيليس في هذا الصخر الأخير إِلى 40٪ من تركيبه) وهي ذات بنية صلبة على العموم، وتراوح الكثافة هنا بين 5.66.3.3، علماً أن هذه الكثافة تتناقص بدءاً من قاعدة الطبقة باتجاه قمتها، وفي الحقيقة، وفي ظل ضغوط عالية جداً، وتركيب كيمياوي ما، فإِن صخراً ما يمكن أن يشمل تجمعات معدنية متباينة، في حين إِن الضغط العالي يساعد على ظهور الصخور الأكثر كثافة، وبناءً على ما تقدم، يمكن لصخور الإِيكلوجيت المكونة من البيروكسين ومن الغرونا ذي الكثافة المرتفعة والتي ترتفع فيها سرعة انتقال الصوت، يمكن لهذا الصخر الباطني النادر جداً على السطح أن يكون المقابل أو النظير لصخر بازلتي مكون من الفلدسبات والبيروكسين. وما هذا الاختلاف والتباين بين الصخرين إِلا نتيجة لتباينات درجات الحرارة والضغط في شروط الوسط الذي يتشكل فيه الصخر. كما أنه في ظل الضغوط العالية جداً السائدة في الأعماق قد تظهر معادن جديدة لها التركيب الكيمياوي نفسه الذي للمعادن المعروفة على سطح الأرض ولكنها تختلف عنها في البنية الذرية، ولهذا فإِن الصخور الباطنية تكون ذات كثافة أعلى. إِن الحقائق السابقة هي المسؤولة عن تبدلات الخصائص والميزات النوعية التي تلاحظ على نحو رئيس في الصخور الواقعة على أعماق تراوح بين 400كم و900 كم ويقدر الاختصاصيون بأن الوشاح يتألف من طبقة سطحية «أستنوسفير» Asthenosphere تراوح ثخانتها بين 500كم و600كم، ذات طبيعة لزجة يتباطأ سير الموجات فيها، وطبقة ذات طبيعة صلبة تعرف باسم «ليتوسفير» Lithosphere تعلو الطبقة السابقة وتصل ثخانتها إِلى بضعة كيلومترات أما التركيب الكيمياوي فهو متماثل في الطبقتين المذكورتين.
(الشكل -5) أثر تيارات الحملان
إِن القسم السابق من الوشاح يسهم في ديناميكية القشرة بصورة أساسية ذلك أنه بحسب نظرية الصفائح القارية Plaques فإِن العالم بمجمله يتألف من 6 صفائح إِضافة إِلى مجموعة من الصفائح ذات المقياس الصغير المرتبطة بها، وتتألف هذه الصفائح من قبعات صلبة من الليتوسفير تتحرك فوق طبقة الأستنوسفير ذات البنية اللزجة مسببة حدوث الهزات الأرضية العميقة، ومولدة السلاسل الجبلية المهمة، إِن سبب حركة هذا القسم الصلب هو وجود تيارات الحملان courants de convection الناجمة عن تباينات كثافة المواد اللزجة ضمن الأستنوسفير التي تسببها تباينات درجات الحرارة وتتحرك هذه التيارات بسرعة تراوح بين 1و5م/ السنة محركة معها الليتوسفير بما فيها الطبقة البركانية التيوليتية (الشكل5).
أما من الناحية الكيمياوية فإِن الجدول التالي يبين النسب المئوية للعناصر المختلفة التي تسهم في تركيب كل من القشرة والوشاح.
الأهمية الكبرى للسيليسيوم الذي يؤدي في عالم الفلزات دوراً مماثلاً للدور الذي يؤديه الكربون في عالم العضويات.
النواة: وتشغل مركز الأرض، ويصل طول قطرها إِلى 6940كم، ويشغل مركزها ما يسمى (النويّة) وهي تتألف بمجملها من الحديد والنيكل، وتتباين الكثافة هنا بشدة، إِذ تراوح في النويّة بين 11.8و17 في حين تنخفض في الأقسام الخارجية لتراوح بين 9.7 على حدود الوشاح و11.8 على حدود النطاق الانتقالي مع النويّة.
إِن الارتفاع الهائل لقيم الضغط في النواة التي تصل إِلى نحو 3 ملايين كغ/سم2 لا يسمح للمادة بالمحافظة على شكلها السائل، وفي الوقت نفسه، ومن الناحية الكهرمغنطيسية فإِن النواة تتصف بناقلية كهربائية عالية جداً، لذا يمكن القول بأن طبيعتها لابد أن تكون حالة لزوجة وميوعة لمعدني الحديد
والنيكل العنصرين الرئيسين المكونين للنواة، في حين أن أقسامها المركزية تتصف بكونها أقرب إِلى الصلابة منها إِلى السيولة، وذلك لأن الموجات الاهتزازية تتمكن من اختراقها. وعلى العموم لابد من القول بأن النواة من حيث البنية والطبيعة والتركيب تشكل وسطاً ذا مميزات وخصائص نوعية جداً ما زالت دقائقها وخفاياها مجهولة. ولكن الأمر المهم على مستوى النويّة، وبحسب آخر الفرضيات العلمية عن تركيبها وبنيتها، يبدو كأن الحديد المكون لها مؤلف من عناصر مبلورة كما أن أصل الحقل المغنطيسي للأرض يجب أن يكون هو النواة ذاتها، وهذا ما يتطلب ضرورة كون بنيتها بلاستيكية مائعة نوعاً ما وذات ناقلية جيدة، وهذا كله يتفق مع النظرية الاتباعية (الكلاسيكية) التي تذهب إِلى أن الحديد هو العنصر الرئيس المكون للنواة.
وقبل اختتام الحديث عن البنية الداخلية لابد من ذكر أن درجات الحرارة تتزايد في الأعماق، ولكن قيمة هذا التزايد ليست ثابتة، بل إِنها تخضع لتباينات هائلة وفقاً لتباين درجة ناقلية الصخور المختلفة وطبيعتها وطبيعة ما يجري فيها من تفاعلات كيمياوية (أكسدة بيريت الحديد مثلاً) أو للتحولات الفيزيائية التي تشهدها (كتفكك الفلزات المشعة المولدة للحرارة). وكما هو معروف، فإِن درجات الحرارة تتزايد في الأعماق بشدة قرب المناطق البركانية وفي المناطق النفطية، ويبلغ معدل هذا التزايد درجة واحدة لكل 10-20م، في حين يحتاج تزايد درجات الحرارة درجة واحدة في المناطق الغرانيتية مثلاً إِلى عمق يصل إِلى 70م وسطياً. وقد ترتفع هذه القيمة إِلى 120م في الصخور الرسوبية. والجدول التالي يعطي فكرة عن وسطي ارتفاع درجات الحرارة في الأعماق، علماً بأن قيم درجات الحرارة المذكورة هنا هي قيم تقريبية يمكن للقيم الحقيقية أن تتجاوزها بكثير، وذلك تبعاً لطبيعة صخور المنطقة المعنية وتركيبها.
العمق بالكم
وإِن قيم الضغط والكثافة وتسارع الجاذبية كذلك تخضع لتبدلات مهمة جداً مع الأعماق كما يبدو ذلك واضحاً من خلال إِلقاء نظرة فاحصة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Powered By Blogger